فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون إن كنتم صادقين} هذا ابتداء احتجاج على الكفار الذين يجعلون لله شركاء.
قال الكرماني: {أرأيتكم} كلمة استفهام وتعجب وليس لها نظير.
وقال ابن عطية: والمعنى: أرأيتكم إن خفتم عذاب الله أو خفتم هلاكًا أو خفتم الساعة أتدعون أصنامكم وتلجؤون إليها في كشف ذلك إن كنتم صادقين في قولكم إنها آلهة بل تدعون الله الخالق الرازق فيكشف ما خفتموه إن شاء وتنسون أصنامكم أي تتركونهم؟ فعبر عن الترك بأعظم وجوهه الذي هو مع الترك ذهول وإغفال، فكيف يجعل إلهًا من هذه حاله في الشدائد؟ و{أتاكم عذاب الله} أتاكم خوفه وأماراته وأوائله مثل الجدب والبأساء والأمراض التي يخاف منها الهلاك كالقولنج ويدعو إلى هذا التأويل إنا لو قدرنا إتيان العذاب وحلوله لم يترتب أن يقول بعد ذلك: فيكشف ما تدعون لأن ما قد صح حلوله ومضى لا يصح كشفه، ويحتمل أن يريد بالساعة في هذه الآية ساعة موت الإنسان؛ انتهى.
ولا يضطر إلى هذا التأويل الذي ذكره بل إذا حل بالإنسان العذاب واستمر عليه لا يدعو إلا الله وقوله: لأن ما صح حلوله ومضى لا يصح كشفه ليس كما ذكر، لأن العذاب الذي يحل بالإنسان هو جنس منه ما مرّ وانقضى فذلك لا يصح كشفه ومنه ما هو ملتبس بالإنسان في الحال فيصح كشفه وإزالته بقطع الله ذلك عن الإنسان، وهذه الآية تنظر إلى قوله تعالى: {وإذا مسّ الإنسان الضرّ دعانا لجنبه أو قاعدًا أو قائمًا فلما كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لم يدعنا إلى ضرّ مسه} لجنبه أو قاعدًا أو قائمًا فلما كشفنا عنه ضرّه مرّ كأن لم يدعنا إلى ضرّ مسه فما انقضى من الضر الذي مسه لا يصح كشفه، وما هو ملتبس به كشفه الله تعالى فالضر جنس كما أن العذاب هنا جنس.
وقال مقاتل: عذاب الله هو العذاب الذي كان يأتي الأمم الخالية.
وقال ابن عباس: هو الموت ويعني والله أعلم مقدّماته من الشدائد والجمهور على أن {الساعة} هي القيامة وأرأيت الهمزة فيها للاستفهام فإن كانت البصرية أو التي لإصابة الرئة أو العلمية الباقية على بابها لم يجز فيها إلا تحقيق الهمزة أو تسهيلها بين بين ولا يجوز حذفها، وتختلف التاء باختلاف المخاطب ولا يجوز إلحاق الكاف بها وإن كانت العلمية التي هي بمعنى أخبرني جاز أن تحقق الهمزة، وبه قرأ الجمهور في {أرأيتكم} وأرأيتم وأرأيت وجاز أن تسهل بين بين وبه قرأ نافع وروي عنه إبدالها ألفًا محضة ويطول مدّها لسكونها وسكون ما بعدها، وهذا البدل ضعيف عند النحويين إلا أنه قد سمع من كلام العرب حكاه قطرب وغيره وجاز حذفها وبه قرأ الكسائي وقد جاء ذلك في كلام العرب.
قال الراجز:
أريت إن جاءت به أملودا

بل قد زعم الفراء أنها لغة أكثر العرب، قال الفراء: للعرب في أرأيت لغتان ومعنيان أحدهما أن تسأل الرجل أرأيت زيدًا أي بعينك فهذه مهموزة، وثانيهما أن تقول: أرأيت وأنت تقول أخبرني فيها هنا تترك الهمزة إن شئت وهو أكثر كلام العرب تومئ إلى ترك الهمزة للفرق بين المعنيين؛ انتهى.
وإذا كانت بمعنى أخبرني جاز أن تختلف التاء باختلاف المخاطب وجاز أن تتصل بها الكاف مشعرة باختلاف المخاطب، وتبقى التاء مفتوحة كحالها للواحد المذكر ومذهب البصريين أن التاء هي الفاعل وما لحقها حرف يدل على اختلاف المخاطب وأغنى اختلافه عن اختلاف التاء ومذهب الكسائي أن الفاعل هو التاء وإن أداة الخطاب اللاحقة في موضع المفعول الأول، ومذهب الفراء أن التاء هي حرف خطاب كهي في أنت وإن أداة الخطاب بعده هي في موضع الفاعل، استعيرت ضمائر النصب للرفع والكلام على هذه المذاهب إبدالًا وتصحيحًا مذكور في علم النحو، وكون أرأيت وأرأيتك بمعنى أخبرني نص عليه سيبويه والأخفش والفراء والفارسي وابن كيسان وغيرهم.
وذلك تفسير معنى لا تفسير إعراب قالوا: فتقول العرب أرأيت زيدًا ما صنع فالمفعول الأول ملتزم فيه النصب، ولا يجوز فيه الرفع على اعتبار تعليق أرأيت وهو جائز في علمت ورأيت الباقية على معنى علمت المجردة من معنى أخبرني لأن أخبرني لا تعلق، فكذلك ما كان بمعناها والجملة الاستفهامية في موضع المفعول الثاني.
قال سيبويه: وتقول أرأيتك زيدًا أبو من هو وأرأيتك عمرًا أعندك هو أم عند فلان لا يحسن فيه إلا النصب في زيد ألا ترى أنك لو قلت أرأيت أبو من أنت وأرأيت أزيد ثم أم فلان، لم يحسن لأن فيه معنى أخبرني عن زيد.
ثم قال سيبويه: وصار الاستفهام في موضع المفعول الثاني وقد اعترض كثير من النحاة على سيبويه وخالفوه، وقالوا: كثيرًا ما تعلق أرأيت وفي القرآن من ذلك كثير منه {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة أغير الله تدعون} {أرأيت الذي ينهى عبدًا إذا صلى} {أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم} وقال الشاعر:
أرأيت إن جاءت به أملودا ** مرجّلًا ويلبس البرودا

أقائلن أحضروا الشهودا

وذهب ابن كيسان إلى أن الجملة الاستفهامية في أرأيت زيدًا ما صنع بدل من أرأيت، وزعم أبو الحسن أن {أرأيتك} إذا كانت بمعنى أخبرني فلابد بعدها من الاسم المستخبر عنه وتلزم الجملة التي بعده الاستفهام، لأن أخبرني موافق لمعنى الاستفهام وزعم أيضًا أنها تخرج عن بابها بالكلية وتضمن معنى أما أو تنبه وجعل من ذلك قوله تعالى قال: {أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت} وقد أمعنا الكلام على أرأيت ومسائلها في كتابنا المسمى بالتذييل في شرح التسهيل وجمعنا فيه ما لا يوجد مجموعًا في كتاب فيوقف عليه فيه، ونحن نتكلم على كل مكان تقع فيه أرأيت في القرآن بخصوصيته.
فنقول الذي نختاره أنها باقية على حكمها من التعدّي إلى اثنين فالأول منصوب والذي لم نجده بالاستقراء إلا جملة استفهامية أو قسمية، فإذا تقرر هذا فنقول: المفعول الأول في هذه الآية محذوف والمسألة من باب التنازع تنازع {أرأيتكم} والشرط على عذاب الله فأعمل الثاني وهو {أتاكم} فارتفع عذاب به، ولو أعمل الأول لكان التركيب عذاب بالنصب ونظيره اضرب إن جاءك زيد على أعمال جاءك، ولو نصب لجاز وكان من إعمال الأول وأما المفعول الثاني فهي الجملة الاستفهامية من {أغير الله تدعون} والرابط لهذه الجملة بالمفعول الأول محذوف تقديره {أغير الله تدعون} لكشفه والمعنى: قل أرأيتكم عذاب الله إن أتاكم أو الساعة إن أتتكم أغير الله تدعون لكشفه أو كشف نوازلها، وزعم أبو الحسن أن {أرأيتكم} في هذه الآية بمعنى أما.
قال وتكون أبدًا بعد الشرط وظروف الزمان والتقدير أما إن أتاكم عذابه والاستفهام جواب أرأيت لا جواب الشرط وهذا إخراج لأرأيت عن مدلولها بالكلية، وقد ذكرنا تخريجها على ما استقر فيها فلا نحتاج إلى هذا التأويل البعيد، وعلى ما زعم أبو الحسن لا يكون لأرأيت مفعولان ولا مفعول واحد، وذهب بعضهم إلى أن مفعول {أرأيتكم} محذوف دل عليه الكلام تقديره أرأيتكم عبادتكم الأصنام هل تنفعكم عند مجيء الساعة؟ ودل عليه قوله: {أغير الله تدعون}.
وقال آخرون لا تحتاج هنا إلى جواب مفعول لأن الشرط وجوابه قد حصلا معنى المفعول وهذان القولان ضعيفان، وأما جواب الشرط فذهب الحوفي إلى أن جوابه {أرأيتكم} قدّم لدخول ألف الاستفهام عليه وهذا لا يجوز عندنا، وإنما يجوز تقديم جواب الشرط عليه في مذهب الكوفيين وأبي زيد والمبرد وذهب غيره إلى أنه محذوف فقدره الزمخشري فقال: إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة من تدعون؟ وإصلاحه بدخول الفاء أي فمن تدعون؟ لأن الجملة الاستفهامية إذا وقعت جوابًا للشرط فلابد فيها من الفاء؟ وقدره غيره إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة دعوتم الله ودل عليه الاستفهام في قوله: {أغير الله تدعون}.
وقال الزمخشري: ويجوز أن يتعلق الشرط بقوله: {أغير الله تدعون} كأنه قيل أغير الله تدعون إن أتاكم عذاب الله؛ انتهى.
فلا يجوز أن يتعلق الشرط بقوله: {أغير الله} لأنه لو تعلق به لكان جوابًا للشرط، فلا يجوز أن يكون جوابًا للشرط لأن جواب الشرط إذا كان استفهامًا بالحرف لا يكون إلا بهل مقدمًا عليها الفاء نحو إن قام زيد فهل تكرمه؟ ولا يجوز ذلك في الهمزة لا تتقدم الفاء على الهمزة ولا تتأخر عنها، فلا يجوز إن قام زيد فأتكرمه ولا أفتكرمه ولا أتكرمه، بل إذا جاء الاستفهام جوابًا للشرط لم يكن إلا بما يصح وقوعه بعد الفاء لا قبلها هكذا نقله الأخفش عن العرب، ولا يجوز أيضًا من وجه آخر لأنا قد قرّرنا إن أرأيتك متعد إلى اثنين أحدهما في هذه الآية محذوف وأنه من باب التنازع والآخر وقعت الجملة الاستفهامية موقعة فلو جعلتها جوابًا للشرط لبقيت {أرأيتكم} متعدّية إلى واحد، وذلك لا يجوز وأيضًا التزام العرب في الشرط الجائي بعد أرأيت مضى الفعل دليل على أن جواب الشرط محذوف، لأنه لا يحذف جواب الشرط إلا عند مضيّ فعله قال تعالى: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله} {قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم} {قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتًا} إلى غير ذلك من الآيات، وقال الشاعر:
أرأيت إن جاءت به أملودا

وأيضًا فمجيء الجمل الاستفهامية مصدرة بهمزة الاستفهام دليل على أنها ليست جواب الشرط، إذ لا يصح وقوعها جوابًا للشرط.
وقال الزمخشري: فإن قلت: إن علقت الشرطية يعني بقوله: {غير الله} فما تصنع بقوله: {فيكشف ما تدعون إليه} مع قوله: {أو أتتكم الساعة} وقوارع الساعة لا تكشف عن المشركين.
قلت: قد اشترط في الكشف المشيئة وهو قوله: إن شاء إيذانًا بأنه إن فعل كان له وجه من الحكمة إلا أنه لا يفعل لوجه آخر من الحكمة أرجح منه؛ انتهى.
وهذا مبني على أنه يجوز أن يتعلق الشرط بقوله: {أغير الله} وقد استدل للفاعل أن ذلك لا يجوز وتلخص في جواب الشرط أقوال:
أحدها: أنه مذكور وهو {أرأيتكم} المتقدّم والآخر أنه مذكور وهو {أغير الله تدعون}.
والثالث: أنه محذوف تقديره من تدعون.
والرابع: أنه محذوف تقديره دعوتم الله، هذا ما وجدناه منقولًا والذي نذهب إليه غير هذه الأقوال وهو أن يكون محذوفًا لدلالة {أرأيتكم} عليه وتقديره {إن أتاكم عذاب الله} فأخبروني عنه أتدعون غير الله لكشفه، كما تقول: أخبرني عن زيد إن جاءك ما تصنع به؟ التقدير إن جاءك فأخبرني فحذف الجواب لدلالة أخبرني عليه، ونظير ذلك أنت ظالم إن فعلت التقدير فأنت ظالم فحذف فأنت ظالم وهو جواب الشرط لدلالة ما قبله عليه، وهذا التقدير الذي قدرناه هو الذي تقتضيه قواعد العربية و{غير الله} عنى به الأصنام التي كانوا يعبدونها، وتقديم المفعول هنا بعد الهمزة يدل على الإنكار عليهم دعاء الأصنام إذ لا ينكر الدعاء إنما ينكر أن الأصنام تدعي كما تقول: أزيدًا تضرب لا تنكر الضرب ولكن تنكر أن يكون محله زيدًا.
قال الزمخشري: بكتهم بقوله: {أغير الله تدعون} بمعنى أتخصون آلهتكم بالدعوة فيما هو عادتكم إذا أصابكم ضرّ أم تدعون الله دونها؟ انتهى.
وقدره بمعنى أتخصون لأن عنده تقديم المفعول مؤذن بالتخصيص والحصر، وقد تكلمنا فيما سبق في ذلك وأنه لا يدل على الحصر والتخصيص، وهذه الآية عند علماء البيان من باب استدراج المخاطب وهو أن يلين الخطاب ويمزجه بنوع من التلطف والتعطف حتى يوقع المخاطب في أمر يعترف به فتقوم الحجة عليه، والله تعالى خاطب هؤلاء الكفار بلين من القول وذكر لهم أمرًا لا ينازعون فيه وهو أنهم كانوا إذا مسهم الضر دعوا الله لا غيره وجواب {إن كنتم صادقين} محذوف تقديره إن كنتم صادقين في دعواكم إن غير الله إله فهل تدعونه لكشف ما يحل بكم من العذاب؟. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قُلْ أَرَأَيْتُكُم} أمرٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يُبكِّتَهم ويُلقِمَهم الحجرَ بما لا سبيل لهم إلى النكير، والكاف حرف جيء به لتأكيد الخطاب لا محلَّ له من الإعراب ومبنى التركيب وإن كان على الاستخبار عن الرؤية قلبية كانت أو بصَرية لكنّ المرادَ به الاستخبارُ عن مُتعلَّقِها أي أخبروني {إِنْ أتاكم عَذَابُ الله} حسبما أتى الأممَ السابقةَ من أنواع العذاب الدنيوي {أَوْ أَتَتْكُمْ الساعة} التي لا محيصَ عنها البتة {أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ} هذا مناطُ الاستخبار ومحطّ التبكيت وقوله تعالى: {إِن كُنتُمْ صادقين} متعلق بأرأيتكم مؤكِّد للتبكيت كاشفٌ عن كذبهم، وجوابُ الشرط محذوفٌ ثقةً بدلالة المذكور عليه أي إن كنتم صادقين في أن أصنامكم آلهةٌ كما أنها دعواكم المعروفةُ، أو إن كنتم قومًا صادقين فأخبروني أغيرَ الله تدعون إن أتاكم عذابُ الله الخ، فإن صدقهم بأيِّ معنى كان من موجبات إخبارِهم بدعائهم غيرَه سبحانه، وأما جعلُ الجواب ما يدل عليه قولُه تعالى: {أَغَيْرَ الله تَدْعُونَ} أعني فادعوه على أن الضمير لغير الله فمُخِلٌّ بجزالة النظم الكريم، كيف لا والمطلوبُ منهم إنما هو الإخبارُ بدعائهم غيرَه تعالى عند إتيانِ ما يأتي لا نفسُ دعائهم إياه. اهـ.

.قال الألوسي:

{قُلْ أَرَأَيْتُكُم} أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يبكتهم ويلقمهم الحجر بما لا سبيل لهم إلى إنكاره.
والتاء على ما قاله أبو البقاء ضمير الفاعل وما بعده حرف خطاب جيء به للتأكيد وليس اسمًا لأنه لو كان كذلك لكان إما مجرورًا ولا جار هنا أو مرفوعًا وليس من ضمائر الرفع ولا مقتضى له أيضًا أو منصوبًا وهو باطل لثلاثة أوجه، الأول: أن هذا الفعل قلبي بمعنى علم يتعدى إلى مفعولين كقولك: أرأيت زيدًا ما فعل فلو جعل المذكور مفعولًا لكان ثالثًا.